يلعب تمكين التكنولوجيا والتحول نحو رقمنة الخدمات وأتمتتها دوراً كبيراً في تغيير مختلف القطاعات بشكل جذري، ولعل القفزة التقنية التي يشهدها العالم هذه الأيام خاصة في مجال البنية التحتية والذكاء الاصطناعي ستكون بمثابة الدفعة الأكبر نحو تغيير شامل في شتى القطاعات بما في ذلك قطاع الرعاية الصحية.
وقد شهد قطاع الرعاية الصحية العالمي إقبالاً كبيراً على دمج التكنولوجيا الحديثة في السنوات القليلة الماضية، حيث من المتوقع أن يتجاوز حجم سوق الرعاية الصحية الرقمية حاجز الـ200 مليار دولار بحلول عام 2020 مقابل 80 مليار دولار في عام 2015. وليست قطر ببعيدة عن هذا التوجه العالمي، حيث يعكف برنامج تسمو حالياً على تطوير الموجة الأولى والثانية من الحلول الذكية التي تتناول التحديات الوطنية عبر القطاعات الخمسة ذات الأولوية وهي: المواصلات، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية، والبيئة، والرياضة.
وقالت سعادة السيدة ريم المنصوري، وكيل الوزارة المساعد لشؤون تنمية المجتمع الرقمي في وزارة المواصلات والاتصالات: "تتبنى دولة قطر مساراً سريعاً في التحول الرقمي وتمكين التكنولوجيا المتطورة لتحسين حياة الإنسان، ونحن نهدف من خلال برنامج تسمو إلى تسخير قوة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل إحداث أثر إيجابي في حياة سكان وزوار قطر، بما في ذلك قطاع الرعاية الصحية، خاصة في خفض معدل البدانة بنسبة 5%، وخفض معدل التدخين بنسبة 30%، وتحسين إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والذي سيكون له أثر ملموس على الاقتصاد الوطني ككل".
وتتضمن خطة تسمو، في قطاع الرعاية الصحية، بناء نظام متكامل وديناميكي، مترابط ببعضه، ومتصل بالإنترنت؛ لتوفير أعلى مستوى من الرعاية الصحية، وتقليل زمن الاستجابة والإجراءات الروتينية الموجودة في الرعاية الصحية التقليدية. ومن الأمثلة على ذلك:
قواعد بيانات شاملة ومتكاملة على الإنترنت
تعمل تسمو على تطوير قاعدة بيانات مركزية موحدة لجميع سكان قطر من مواطنين ومقيمين، بحيث تحتفظ قاعدة البيانات بسجل خاص بكل مريض يضم جميع المعلومات الرئيسية المتعلقة بصحته، مثل البيانات الشخصية والأمراض والعمليات الجراحية، والأدوية، والعلاج، والتشخيص، والفحوصات المخبرية، وغيرها. ويمكن الوصول إلى هذا الملف، عبر الإنترنت، من قبل المريض أو مقدمي الرعاية الصحية في قطر (بتفويض من المريض) لمراجعة التاريخ الطبي وتحديث البيانات في أي وقت، فيساعد في تشخيص المريض ويسمح بالانتقال السلس بين مقدمي الرعاية الصحية دون الحاجة إلى نقل الملف يدوياً، ودون الحاجة إلى إعادة سرد التاريخ الطبي لكل طبيب جديد.
ولا يقتصر الأمر على قاعدة بيانات المرضى، بل يمتد إلى الأطباء، بحيث يمكن العثور على الأطباء عبر منصة إلكترونية يدخل إليها المستخدم ويبحث عن طبيب بالمواصفات التي يحتاجها مثل التخصص، ومكان وأوقات العمل، والمنطقة، واللغات التي يتحدثها، وطرق الدفع، وشركات التأمين التي يتعامل معها، والمواعيد المتاحة وغيرها. كما تتيح المنصة للمستخدمين خاصية تقييم مستوى الخدمة التي حصلوا عليها ومشاركة تجاربهم ليستفيد منها بقية المستخدمين، إضافة إلى خاصية حجز المواعيد عبر الإنترنت. وعند ربط هذه المنصة بقاعدة البيانات الموحدة، يمكن للنظام، بشكل آلي، اقتراح الأطباء الأنسب للحالة المرضية وفقاً لسجل المريض. وستسهم هذه المنصة في تسهيل عملية العثور على طبيب وتوفير الوقت والجهد ورفع مستوى الخدمات المقدمة، إضافة إلى زيادة وعي المرضى في قطر بحقوقهم وبمستوى الخدمة المتوقع من مزودي الخدمات الصحية.
توظيف إنترنت الأشياء والتكنولوجيا المتقدمة في مجال الرعاية الصحية
من الجلي للعين أن نسبة ونوعية الخدمات المقدمة عبر الإنترنت في تزايد مستمر، ومن المرشح أن تزداد هذه الخدمات، كماً ونوعاً، مع انتشار شبكات الجيل الخامس نظراً للإمكانيات الضخمة التي تملكها، خاصة في مجال إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبث عبر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، وفقاً للمسح السنوي الذي تجريه شركة ماكينزي آند كومباني حول الرعاية الصحية في أميركا، فإن 70% من المشاركين في استفتاء عام 2017 والبالغ عددهم أكثر من 4250 شخصاً، قالوا إنهم يفضلون الحلول الرقمية للرعاية الصحية، ويفضلون الحصول على استشارة طبية عبر وسائل رقمية، للعديد من الأمراض، أكثر من الاستشارة عبر الهاتف أو وجهاً لوجه.
وتماشياً مع استثمار قطر الضخم في الاقتصاد الرقمي والبنية التحتية، تتضمن خطة برنامج تسمو لتحسين الرعاية الصحية في قطر، توفير خدمة الاستشارة الطبية عن بعد، من خلال محادثات الفيديو. وستكون هذه الخدمة مربوطة مع قاعدة البيانات الموحدة، بحيث يكون سجل المريض متاحاً للطبيب أثناء محادثة الفيديو، فيشخّص الحالة ويقدم الاستشارة، وكذلك يتمكن من تحديث سجل المريض، ووصف العلاج له. ومن المتوقع أن تقلل هذه الاستشارات الافتراضية الضغط على قطاع الرعاية الصحية في قطر خاصة مع النمو السكاني المضطرد الذي تشهده قطر. كما يشمل التحول الرقمي لقطاع الرعاية الصحية في قطر توفير أدوات رقمية للتشخيص الذاتي، والتي يمكن ربطها مع الأجهزة الذكية مثل الهواتف والساعات الذكية. وتتيح هذه الأدوات للمرضى تشخيص حالاتهم ذاتياً من خلال إدخال الأعراض التي يشعرون بها، والبيانات الحيوية، والمعلومات الشخصية، وكذلك ربط أدوات التشخيص الذاتي بالسجل الموحد للمريض، فيعمل الحاسوب باستخدام الذكاء الاصطناعي على تحليل جميع هذه البيانات واستنتاج المرض، وفي الوقت ذاته اقتراح قائمة بالأطباء المعنيين، مع توفير إمكانية الاستشارة عن بعد، وبذلك يتم المريض رحلة علاجه من التشخيص وحتى الحصول على العلاج دون مغادرة مكانه.
وباب الابتكار في هذا المجال واسع، ويحتمل إضافة المزيد من الأفكار والحلول الذكية لتوفير رعاية صحية أفضل، بما في ذلك أجهزة الاستشعار ومراقبة حالة المرضى عن بعد خاصة بعد العمليات الجراحية؛ مما يتيح للطبيب الاستجابة للتغيرات التي قد تطرأ على المريض، وكذلك خاصية التذكير بمواعيد تناول الأدوية وجرعاتها، والتذكير بالزيارات الدورية للأطباء ومواعيد التحاليل المخبرية، وطلب المساعدة في حالات الطوارئ وغيرها الكثير. وعند دمج جميع هذه الخدمات مع بيانات جميع السكان وتحليلها باستخدام الحواسيب الفائقة، يمكن دراسة الوضع الصحي للسكان ككل والعمل على تعزيز وصولهم إلى خدمات الرعاية الصحية عالية الجودة بأسعار معقولة وخفض مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وبالتالي الوصول إلى مجتمع يتمتع بصحة أفضل.